للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب - ما لم يكن شاهدُ الطبع خادمًا له ولا معينًا عليه، وإنما هو من باب التكاليف التي قد تجري على خلاف هوى الأنفس، ومثال ذلك العبادات، والجنايات، والرفق بالناس والإحسان إليهم، وهذا النوع قرره الشارع على مقتضا ٥ من التأكيد في المؤكدات، والتخفيف في المخففات، ولذلك حَدَّ الشارع لهذا النوع حدودًا معلومة، ووضع له عقوبات معينة إبلاغًا في الزجر عَمّا تقتضيه الطباع. وما قيل في أنواع المطلوب الشرعي ينطبق تمامًا على المنهيات الشرعية.

إذًا، فالمعيار المعتمد في ورود الأمر وتأكيده ليس هو مدى أهمية الفعل في إقامة حياة الإنسان والمحافظة عليها، بقدر ما هو مدى وجود حوافز وبواعث طبيعية للإنسان على الفعل أو الترك، فتكون بعض الضروريات مباحة، ولم يوجبها الشارع اكتفاءً بالباعث الجبلي في السعي إلى تحصيلها، وتكون بعض الحاجيات أو التحسينيات واجبةً لضعف البواعث الجبلية التي تبعث الإنسان على تحصيلها أو لانعدامها. وفي ذلك يقول الشاطبي: "فإنه ربما وقع الأمر والنهي في الأمور الضرورية على الندب أو الإباحة والتنزيه فيما يفهم من مجاريها، فيقع الشك في كونها من الضروريات؛ كما تقدم تمثيله في الأكل والشرب واللباس والوقاع، وكذلك وجوه الاحتراس من المضرات والمهلكات وما أشبه ذلك، فيرى أن ذلك لا يلحق بالضروريات، وهو منها في الإعتبار الإستقرائي شرعًا، وربما وقع الأمر بالعكس من هذا؛ فلأجل ذلك وقع التنبيه عليه ليكون من المجتهد على بال ... ". (١)

ثالثًا - باعتبار تعلقها بعموم الأمة أو جماعتها أو أفرادها:

وتنقسم بهذا الإعتبار إلى كلية وجزئية:

١ - المقاصد الكلية: وهي "ما كان عائدًا على عموم الأمة عَوْدًا متماثلًا، وما كان عائدًا على جماعة عظيمة من الأمة أو قطر". (٢)


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ١٠٢، وانظر أيضًا مج ١، ج ٢، ص ١٣٨ وما بعدها.
(٢) انظر محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ٢٢٠.

<<  <   >  >>