للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال مخاطبًا المسلمين: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٥]، وقال في معرض الوعد: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧] ". (١)

ج - أدلة جزئية يمثلها ما شرع الله تعالى من أحكام رادعة للناس عن الإفساد، وموجبة أو مرغبة في الصلاح وفعل الخير، مثل شرع القصاص على إتلاف الأرواح وقطع الأطراف، وشرع تعويض قيمة المتلفات، وإباحة تناول الطيبات والزينة. (٢)

ثم ينتهي ابن عاشور بعد ذلك إلى أن استقراء هذه الأدلة ونحوها أوجب لنا اليقين بهذا المقصد، فيقول: "ومن عموم هذه الأدلة ونحوها حصل لنا اليقين بأن الشريعة متطلبة لجلب المصالح ودرء المفاسد، واعتبرنا هذا قاعدة كلية في الشريعة". (٣)

٤ - تحديد أنواع الحيل ومدى تفويتها للمقاصد الشرعية: حيث اعتمد ابن عاشور الاستقراء طريقًا لتحديد أنواع ذلك التحيل، وأسفر استقراؤه عن تقسيمها إلى خمسة أقسام، وفي ذلك يقول: "وعند صدف التأمل في التحيل على التخلص من الأحكامٍ الشرعية من حيث إنه يُفِيتُ المقصد الشرعي كله أو بعضه أو لا يفيته، نجده متفاوتًا في ذلك تفاوتًا أدَّى بنا الاستقراء إلى تنويعه خمسة أنواع ... ". (٤)


(١) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٨٩ - ، وانظر أيضًا: محمد الطاهر بن عاشور: أصول النظام الإجتماعي في الإِسلام، ص ١٠ - ١١.
(٢) انظر محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٨٩ - ١٩٠.
(٣) انظر محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٩٠.
(٤) أنواع التحيل هذه هي:
١ - تحيّل يفيت المقصد الشرعي كله، ولا يعوضه بمقصد شرعي آخر، ومثال ذلك من وهب ماله قبل مُضيّ الحول بيوم لئلاّ يعطي زكاته، واسترجعه من الموهوب له من غد، وهذا لا ينبغي الشك في ذمه وبطلانه ووجوب المعاملة بنقيض مقصد صاحبه.
٢ - تحيّل على تعطيل أمر مشروع على وجه ينقلُ إلى أمرِ مشروع آخر، مثل التجارة بالمال المتجمع خشية أن تنفصه الزكاة، فإنه إذا فعل ذلك فقد استعمل المال في مأذون فيه، وهذا النوع على الجملة جائز.
٣ - تحيّل على تعطيل أمر مشروع على وجه يسلكُ به أمرًا مشروعًا هو أخفُّ عليه من المنتَقَلِ منه، مثل لبس الخف لإسقاط غسل الرجلين في الوضوء، وهذا مقام الترخص إذا لحقته مشقة من الحكم المتنَقَّل منه.
٤ - تحيّل في أعمال ليست مشتملة على معان عظيمة مقصودة للشارع، وفي التحيّل فيها تحقيقٌ لِمُمَاثلِ مقصد الشارع من تلك الأعمال، مثل التحيّل في الأيمان التي لا يتعلق بها حق الغير. وللعلماء في هذا النوع مجال من الإجتهاد.
٥ - تحيّل لا ينافي مقصد الشارع، أو هو يعين على تحصيل مقصده، ولكن فيه إضاعة حق لآخر أو مفسدة أخرى، مثل من تزوج امرأة مبتوتة قاصدًا أن يحللها لمن بَتَّها، وفيه خلاف بين الفقهاء. مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ٢٥٣ بتصرف.

<<  <   >  >>