للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبيد، والسبل التي سلكها الإِسلام للتقليل من الرِّق والسعي إلى تخليص البشرية منه بالتدرج، إلى أن قال: "فمن استقراء هاته التصرفات ونحوها حصل لنا العلم بأن الشريعة قاصدةُ بَثّ الحرية بالمعنى الأول [أي ضد العبودية] ". (١)

٨ - إثبات تعليل الأحكام الشرعية -خاصة أحكام المعاملات-: إذْ يرى ابن عاشور أن مقصد الشريعة الأعظم نوطُ أحكامها المختلفة بمعان وأوصاف مختلفة تقتضي تلك الأحكام، لا بأسماء وأشكال، (٢) حيث يتبع تغيرُ الأحكام تغيرَ الأوصاف، وقد استدل على ذلك بـ"استقراء أقوال الشارع - صلى الله عليه وسلم - وتصرفاته، ومن الإعتبار بعموم الشريعة الإِسلامية ودوامها"؛ (٣) ذلك أن من مقتضيات عموم الشريعة لكل الناس، ودوامها لكل الأزمان أن تكون منوطة بمعان وأوصاف تحقق مقاصدها، فتدور أحكامُها معها وجودًا وعدما، لتتحقق خاصية المرونة في الشريعة بما يسع تحقيق مقاصد الشارع لمختلف الأقوام على اختلاف عاداتهم وأعرافهم، وعلى اختلاف الحِقَب الزمنية وما يصاحب ذلك من تطور في الحياة البشرية.

٩ - إثبات واجب الإجتهاد: لَمّا كان من مقاصد الشارع تجنُّب التفريع في زمن التشريع، مع وضع الشريعة لتكون عامة ودائمة، كان من اللازم أن يقصد الشارع لتحقيق ذلك إلى إيجاد الوسيلة التي تجمع بين تحقيق هذين المقصدين المتناقضين في ظاهرهما، وتلك الوسيلة هي الإجتهاد، فكانت "الأمة الإِسلامية بحاجة إلى علماءَ أهلِ نظرٍ سديد في فقه الشريعة، وتمكن من معرفة مقاصدها، وخبرة بمواضع الحاجة في الأمة، ومقدرة طما إمدادها بالمعالجة الشرعية لاستبقاء عظمتها، واسترفاء خروقها، ووضع الهناء بمواضع النقب من أديمها. وقد هدانا الله إلى هذا بما أمر به من الإعتبار في أدلة الشريعة وبذل الجهد في استجلاء مراده. حصل لنا ذلك من استقراء آيات كثيرة من الكتاب وأخبار صحيحة من السنّة". (٤)


(١) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ٢٨٤.
(٢) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ٢٤٥.
(٣) المصدر السابق، ص ٢٨٩.
(٤) المصدر السابق، ص ٢٩٤.

<<  <   >  >>