وزيادة الأدلة على ذلك لا دخل له في إثبات صدق الحكم، وإنما يمكن أن يكون من باب التوكيد والإطمئنان، من باب قول سيدنا إبراهيم - عليه السلام - {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: ٢٦٠].
فإذا أخذنا مثلًا قضية قصد الشارع إلي التيسير، فإنها ثابتة بنص شرعي يفيد العموم {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، إذْ صرّح الشارع بأنه قاصد إلى اليسر، وقد ورد "اليسر" معرَّفًا بـ"ال" التعريف وهي صيغة من صيغ العموم.
ومع أن هذه الآية قطعية الدلالة على القصد إلى التيسير وقطعية الثبوت، إلّا أن الظن يدخلها من جهة العموم، فهي من صيغ العموم التي تحتمل التخصيص، وليست من العام الذي أريد به العموم قطعًا. وربما لهذا السبب جعلها ابن عاشور من باب الظاهر ولا تفيد القطع بعمومها. (١) ومن هنا تأتي أهمية الاستقراء في كونه قرينة خارجية ينفي عنها احتمال التأويل، ويُثْبِتُ عمومها وجريانها في جميع الأحكام الشرعية.
تبرير نتيجة الإستدلال الإستقرائي:
إن الموقف أمام الإستدلال الإستقرائي هو أنه إمّا أن نُخْضِعَه إخضاعًا كاملًا للتجربة الحسية، وهذا أمر مستحيل، ويؤدي بنا إلى ترك الاستقراء وعدم الوثوق به كلية، وفي ذلك ما فيه من لتعطيل للحياة العلمية والعملية، وإما أن نقبل بتأسيس الاستقراء على مبادئ عقلية قبلية نأخذها بوصفها مسلمات، وهذه المبادئ هي:
١ - قانون العلية العام: الذي يقرر أن الظواهر تترابط ترابط العلة والمعلول، وأن الحالات المتشابهة أو المتماثلة تكون عللها متماثلة كذلك.
٢ - قانون التناسق والإطراد: الذي يقضي بأن الطبيعة تسير على نسق واحد لا يتغير، فما حديث في الماضي بعلة من العلل سيتكرر في الحاضر والمستقبل على نفس النحو مع وجود نفس العلة.
(١) انظر ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٥٩.