للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - المقاصد العرفية الخاصة: وهي معاني أدركت العقول ملاءمتها بالتجربة، ولكنها لم تكن عرفًا عاما، بل خاصة. ومع ذلك احتاجت الشريعة إلى اعتبارها في مقاصدها لِمَا تشتمل عليه من تحصيل صلاح أو دفع ضرر عامين. كاعتبار القرشية شرطًا في الخليفة، واعتبار الذكورة شرطا في الولايات القضائية والإمارة.

وهذا النوع يجب على الفقيه التأمل فيه وسبره، فما حصل له الظن فيه في الجملة أنه مقصود للشارع أثبته مسائلَ فرعية قريبة من الأصول، ولكن لا يتجاوز به مواقع وروده كما هو مذهب بعض العلماء في شرط القرشية، إذ اعتبروه شرطًا مخصوصًا بظروف المجتمع القائم على العصبية القبلية. أما إذا قوي الظن بكونها مقاصد شرعية مطردة، فله حينئذ تأصيلها ومجاوزة مواقع ورودها كما هو الأمر في اعتبار الذكورة شرطًا في الإمارة والولايات القضائية. (١)

سادسًا - من حيث علاقتها بحظ المكلَّف:

وتنقسم بهذا الإعتبار إلى قسمين: مقاصد أصلية، ومقاصد تبعية.

١ - المقاصد الأصلية: وهي التي لا حَظَّ للمكلَّف فيها، وهي مقاصد الشارع في الحفاظ على الضروريات الخمس. والمراد هنا بانعدام حظ المكلَّف فيها كون الشارع عندما وضعها وألزم بها المكلفين لم يُراعِ في الإلزام بها حظوظ المكلفين بالقصد الأول، وإنما راعى فيها إقامة حياتهم واستقامتها بالقيام بالضروريات وحفظها. (٢) فانعدام حظ المكلَّف فيها منظور إليه من وجوه: أحدها: أن الشارع قاصد إلى إقامة تلك المقاصد والحفاظ عليها سواء وافقت الحظوظ العاجلة للمكلَّف أم لم توافقها، وإن تبعها حظ للمكلَّف -وهي عادة كذلك- فَبِالتَّبَعِ لا أصالةً، والثاني: أنها راجعة إلى حفظ الضروريات التي لا تستقيم الحياة بغيرها، فتركُها تجري على حظوظ المكلفين قد يؤدي إلى خرم الضروريات، ومن ثَمَّ إلى فساد الحياة، والثالث: أن المكلَّف مُطالَب بإيقاعها، سواء وافقت ميلًا نفسيًّا منه أم لم توافق، وسواء كان في إيقاعها تحقيق حظ


(١) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٧٣.
(٢) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ١٣٤.

<<  <   >  >>