للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الأقوال، لا التفرق بالأبدان.

ووَجْهُ مخالفة هذا الحديث لمقصد الشارع أن الشارع قصد إلى رفع الغرر والخطر من المعاملات، ولأجل ذلك حرَّم بيوع الغرر ولما كان الخيار هنا غير محدد المدة، دخله الغرر, فَأُبْطِلَ. هذا مذهب الإمام مالك وللفقهاء الآخرين رأي مخالف، فلينظر في مظانه؛ (١) إذ الغرض هنا مجرد التمثيل لحالة تعارض الخبر الظني مع مقاصد الشارع.

ومن ذلك أيضًا عدم أخذ الإمام مالك بن أنس بحديث إكفاء القدور في غزوة خيبر, ففي صحيح البخاري عن ابن أبي أوفى - رضي الله عنهما - قال: "أَصَابَنَا مَجَاعَة لَيَالي خَيْبَر, فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَر وَقَعْنَا في الحُمُرِ الأَهْليّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمّا غَلَت القُدُورُ نَادَى مُنَادِي رُسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَكْفِئُوا القُدُورَ فَلَا تَطْعَمُوا مِن لُحُوم الحُمُر شَيْئًا". (٢)

وقد ذهب الإمام مالك إلى أنه يجوز الأكل من لحوم الإبل والبقر والغنم قبل قسمتها إذا احتاج إلى ذلك المجاهدون، وفي ذلك يقول: "لا أرى بأسًا من أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدوّ من طعامهم، ما وجدوا من ذلك كلّه قبل أن يَقَعَ في المقاسم"، (٣) ويقول: "وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام، يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو, كما يأكلون من الطعام ... فلا أرى بأسًا بما أُكِل من ذلك كلّه، على وجه المعروف، ولا أرى أن يدَّخر أَحَدٌ من ذلك شيئًا يرجع به إلى أهله". (٤)

وقد علل مذهبه هذا بقوله: "ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم، ويقسم بينهم، أضر ذلك بالجيوش". (٥)


(١) انظر وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية الكويتية: الموسوعة الفقهية، (الكويت: ذات السلاسل، ط ٢، ١٤١٠ هـ/ ١٩٩٠)، ج ٢٠، ص ١٦٩ - ١٧٢.
(٢) صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، باب (٢٠)، مج ٢، ج ٤، ص ٣٩٤.
(٣) الموطأ، كتاب الجهاد، باب (٨)، ج ٢، ص ٤٥١.
(٤) المصدر السابق، ج ٢، ص ٤٥١ - ٤٥٢.
(٥) المصدر السابق، ج ٢، ص ٤٥٢.

<<  <   >  >>