للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: "فكلّ كلام كان عامًّا ظاهرًا في سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على ظهوره وعمومه، حتى يُعلم حديث ثابت عن رسول الله -بأبي هو وأمي- يدلّ على أنه إنما أريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض". (١)

ويقول في موضع آخر: "والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاها به". (٢)

وقال في معرض حديثه عن حديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها في كبد السماء، وأن ذلك يحتمل أن يكون المراد به كلّ الصلوات، ويحتمل أن يراد به النوافل فقط: "وهكذا غيره من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو على الظاهر من العام حتى تأتي الدلالة عنه كما وصفتُ، أو بإجماع المسلمين أنه على باطنٍ دون ظاهرٍ, وخاص دون عام، فيجعلونه بما جاءت عليه الدلالة عليه، ويطيعونه في الأمرين جميعًا". (٣)

وبناءً على ذلك فإنه لا داعي إلى صرف اللفظ عن ظاهره إلّا في حالة معارضته لنصوص شرعية أخرى، أو لأصول الشريعة ومبادئها العامة، أو معارضة معناه لصريح العقل.

فالأصل -إذًا- أن يُنْظَر في ظاهر النصوص فإذا وجدت قرائن تصرف النص عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله صُرِف به، وإن لم يوجد شيء من ذلك فاللفظ باقٍ على ظاهره، ويكون ظاهره هو المعنى المقصود للشارع. ولا يضرّ بعد ذلك القول بأن الظاهر يفيد مجرّد الظن فقط، لأن هذا الظن منشؤه ما يمكن أن يوجد من قرائن صارفة له عن ظاهره، فإذا لم توجد هذه القرائن - وإنْ كُنَّا لم نصل إلى درجة القطع بعدمها - فذلك كافٍ في الأخذ بظاهره، لأن القطع العقلي غير مطلوب في مثل هذه الأمور.


(١) الشافعي، محمد بن إدريس: الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، (القاهرة: مكتبة دار التراث، ط ٢، ١٣٩٩ هـ / ١٩٧٩ م)، ص ٣٤١.
(٢) البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: مناقب الشافعي، تحقيق السيد أحمد صقر، (القاهرة: مكتبة دار التراث، د. ط. د. ت)، ج ٢، ص ٣٠.
(٣) الشافعي: الرسالة، ص ٣٢٢.

<<  <   >  >>