للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استعمال ألفاظ مخصوصة في معاني مخصوصة والتعبير عنها بتراكيب مخصوصة، وكان ذلك يختلف من لغة إلى أخرى، كان من اللازم فهم كلّ لغة على وفق معهود أصحابها. (١)

والقول بلزوم فهم النصوص الشرعية على معهود العرب في لغتها لا يكون فقط في معاني الألفاظ بأن لا تُحْمل على غير ما تعارف عليه العرب من معاني لها، بل في إدراك أساليب العرب في خطابها أيضًا. فمعرفة ما تواضعت عليه العرب من معاني للألفاظ يعين في الوصول إلى المعنى الإفرادي للألفاظ، ومعرفة ما تواضعت عليه العرب من أساليب في الخطاب يعين على تحديد المعنى التركيبي لنصوص القرآن الكريم والسنّة المطهرة. وقد اختلف اللغويون والأصوليون في دلالة الكلام المركّب: هل هي وضعيّة، بمعنى أن كلّ الصيغ التركيبية وضعها أهلُ اللغة ويجب الإلتزام بها، أم أنها عقلية، بمعنى أن تركيب الكلمات لأداء معنًى ما يتم بإدراك العقل وباختيار المتكلّم، لا بالنقل والسماع، والتحقيق هو ما ذهب إليه الزركشي من أن أنواع المركبات وضعية، أما جزئيات تلك الأنواع فهي عقلية يختار منها المتكلّم ما يناسب مقصوده. (٢) والمقصود بأنواع المركبات أساليب التعبير والعلاقات السياقية (قرائن التعليق) مثل وضع باب الفعل لإسناد كلّ فعل إلى من صدر منه، وتقديم الفعل على المفعول به، وأساليب الإستفهام، والحصر, والتعجب، وغيرها.

ولمّا كان القرآن الكريم نزل بلغة العرب، وكان في غاية البيان واليسر لهم مصداقا لقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥]، وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧]، كان من اللازم أن يكون مفهومًا للعرب، ولا تفهمه العرب إلّا إذا كان على معهودها في التخاطب، فمن رَامَ فهمه على غير ذلك السَّنَنِ فقد شطّ.


(١) يقول الجويني: " ... فإن إطلاقات الشرع لا تعرض على مأخذ الحقائق، وإنما تحمل على حكم العرف والتفاهم الظاهر، وهذا كإطلاق الشرع تحريم الخمر، وإنما المحرم تناولها، وكإطلاق المسلمين إضافة القتل إلى القاتل، مع القطع بأن إزهاق الأرواح من الأشباح من مقدورات الإله سبحانه وتعالى". البرهان، ج ١، ص ١٩٧.
(٢) انظر الزركشي: البحر المحيط، ج ٢، ص ٩ - ١١.

<<  <   >  >>