للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعرفة معهود العرب في التخاطب مُهِمّ في فهم كثير من النصوص القرآنية، خاصة فيما يتعلق بالعموم والخصوص، والتقديم والتأخير والظهور والخفاء، والإضمار والحذف، والتأكيد والإستثناء، وغير ذلك. فَمِمّا عهدته العرب في خطابها -مثلاً- استعمال اللفظ العام وقصد الخصوص، واستعمال اللفظ العام وقصد الخصوص من وجه والعموم من وجه آخر, وغير ذلك مما أشار إليه الإمام الشافعي في رسالته، حيث يقول:

"فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها عك ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها. وإن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عامًّا ظاهرًا يُراد به العام الظاهر ويُستغنى بأول هذا منه عن آخره. وعامًّا ظاهرًا يُراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه. وعامًّا ظاهرًا يُراد به الخاص. وظاهرًا يُعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره. فكلّ هذا موجودٌ عِلْمُه في أوّل الكلام أو وسطه أو آخره.

وتبتدئ الشيء من كلامها يُبِينُ أوّلُ لفظِها فيه عن آخره، وتبتدئ الشيء يُبِينُ

آخرُ لفظِها منه عن أوَّله.

وتكَلَّمُ بالشيء تُعرِّفُه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تُعرِّفُ الإشارة، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها، لانفراد أهل علمها به، دون أهل جهالتها.

وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتسمي بالإسم الواحد المعاني الكثيرة.

وكانت هذه الوجوه التي وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به -وإن اختلفت أسباب معرفتها- معرفةً واضحةً عندها، ومستنكرًا عند غيرها، ممن جهل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة، فتكلّفَّ القولَ في علمها تكلُّفَ ما يجهَلُ بعضه. ومن تكلَّف ما جهل وما لم تُثْبِتْه معرفتُه: كانت موافقتُه للصواب -إنْ وافقه مِن حيث لا يعرفه- غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غيرَ

<<  <   >  >>