للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا غرابة بعد هذا أن نجد عشرات التفسيرات الخاطئة من قِبَل المستشرقين والكتّاب الغربيين للنصوص الشرعية وأحداث التاريخ الإِسلامي، ففضلاً عَمّا يمكن أن يكون فيها من سوء نية وتحامل، فإن عجزهم عن فهم البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم والتي انتشر فيها الإِسلام بعد ذلك، وعجزهم عن فهم الأثر التغييري الهائل الذي يتركه الإِسلام في حياة من اعتنقه بصدق وإخلاص، جعلهم عاجزين عن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية والأحداث التاريخية، مع أن بعضهم بلغ من المعرفة باللغة العربية والتاريخ الإِسلامي ما لا يدركه كثير من المسلمين أنفسهم. فالذي نشأ في بيئة يحكُمُها الصراع السياسي، وعلاقات الناس فيها تقوم على تبادل المصالح، لا يستطيع فهم ترشيح عمر بن الخطاب أبا بكر - رضي الله عنهما - للخلافة في سقيفة بني ساعدة، ثم وصية أبي بكر بالخلافة لعمر بعد ذلك إلّا على أنها من باب التحالف السياسي وتبادل المصالح، فهذا رشحه هنا والآخر أوصى له بعد ذلك. ولا يمكن لمثل هذا أن يفهم مرتبة الإيثار التي وصل إليها الصحابة - رضي الله عنهم -، ومدى إخلاصهم لدينهم، وإيثارهم للحق ومصلحة الإِسلام والمسلمين على مصالحهم الشخصية، واعترافهم بالفضل لأهله.

وتأتي فائدة القرائن الحالية والمقالية في إزالة الإحتمالات التي تعرض للسامع في مقصود المخاطِب من خطابه، وكلّما كان استحضار القرائن التي حفّت بالكلام أشمل كان فهم مراد المتكلّم من كلامه أدقّ، وبالعكس، ولذلك نجد أن الكلام المشافه به أوضح دلالة على مراد المتحدث من الكلام الذي بلَّغه عنه مبلِّغ، أو نُقِلَ كتابةً بسبب ما يفتقده من قرائن حالية تعين على دفع الإحتمالات التي تتطرق إلى الكلام ولا يقصدها المتكلم.

وإهمال القرائن كلّها أو بعضها يؤدي إلى نقص في فهم الخطاب، أو إلى الخطأ الكامل في الفهم، وفي ذلك يقول الشاطبي: "وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه". (١)


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢٥٨.

<<  <   >  >>