للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل كلّ كلام يحتاج إلى قرائن حالية؟

ليس من اللازم أن يحتاج كلّ كلام إلى قرائن حالية لفهم معناه، فالكلام المفيد التّام المعنى يمكن أن يُفهم معناه من غير حاجة إلى قرائن حاليّة؛ إذْ ليس كلّ كلام وارد في مقام خاص، بل منه ما يكون على سبيل التوجيه والإرشاد العامين، كما هو الحال فيما نزل من القرآن الكريم من غير سبب خاص، وما ورد في السنّة كذلك. وإنما الذي يكون في حاجة إلى الإطلاع على المقام لتحديد معناه هو ما ورد في مقام خاص. ولا حُجّة فيما اشتهر عن العرب من أن "لكلّ مقام مقال" إذ المراد بهذا تخيُّر الكلام المناسب لكلّ مقام، وعدم إلقاء الكلام على عواهنه دون اعتبار للمقام الذي يقال فيه.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن المقام يتنوع إلى نوعين: مقام خاص، ومقام عام. فالمقام الخاص هو القرائن الحاليّة والظروف التي تحفّ بصدور خطابٍ ما، والتي صاحبته وصبغته بصبغتها. أما المقام العام فهو الحالة العامّة، أو الهدف العام الذي اقتضى مجيء الخطاب ككون القرآن الكريم نزل لهداية الناس وإرشادهم إلى طريق الحق.

مزيد تفصيل في هذا عند الحديث عن أسباب النزول.

ولمّا كانت الشريعة الإِسلامية عامّة زمانًا ومكانًا وأشخاصًا، فإننا نجد أغلب نصوص الشارع تميل إلى التجرّد عن المقام الخاص والإعتماد على المقام العام، وإن كان ولا بُدّ من مقام خاص فغالبًا ما يكون مما يمكن أن يتكرر في مختلف الظروف والأزمان.

ومما يدلّ على ميل الشارع إلى التجرد من تأثيرات المقام الخاص اتجاهه في كثير من الأحيان إلى تعميم الخطاب، وإغفال الحالة الخاصة التي استدعت تشريع الحكم. فمثلاً تشريع حكم السرقة يروى أن الآيات التي نزلت به نزلت في حادثة معيّنة (١)،


(١) الآية هي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]. وروي أنها نزلت في طعمة بن أبيرق، الذي سرق درعًا من جارٍ له -هو قتادة بن النعمان- في جراب دقيق، ثم خبأها عند رجل يهودي، فنزلت الآية في بيان حكمه. انظر الواحدي، علي بن أحمد: أسباب النزول، تخريج وتدقيق عصام بن عبد المحسن الحميدان، (الدمام: دار الإصلاح، ط ١، ١٤١١ هـ/ ١٩٩١ م)، ص ١٩٥.

<<  <   >  >>