للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وماتصوره العقل في الثاني يصدق عليه ما صدق على الأول، وهكذا إلى ما لا نهاية، مع القطع بأن أعيان الحوادث مخلوقة كائنة بعد أن لم تكن (١).

ثانياً: أقوال أهل السنة في تسلسل الحوادث:

أما أقوال أهل السنة في المسألة فهي على ما يأتي:

القول الأول: أن جنس الحوادث لا أول له، وأن القول بأن جنس الحوادث له أول يلزم منه أنه سبحانه كان معطلاً عن الصنع في الماضي -تعالى عن ذلك-، فصفة الخلق لابد لها من مفعول، وأنه كما أن صفة الكلام قديمة النوع حادثة الآحاد فكذلك صفة الخلق قديمة النوع حادثة الآحاد، وأن من عسر عليه فهم هذا فليعتبر بما لا يزال يخلق في الجنة من أنواع النعيم كقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: من الآية ٣٥] فثمرها الذي يؤكل لا ينقطع، ثمرة بعد ثمرة، وإن كان أعيان الثمار فانياً، فكذلك جنس الحوادث لا أول له وإن كان أعيانها حادثة، وأن الأحاديث الواردة في أول الخلق المقصود فيها هو: أول هذا العالم المشهود لا جنس الحوادث، وذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم فقال:

"والآخرون أولو الحديث كأحمد ... ذاك ابن حنبل الرضى الشيباني

قد قال إن الله حقاً لم يزل ... متكلماً إن شاء ذو إحسان

جعل الكلام صفات فعل قائم ... بالذات لم يفقد من الرحمن

وكذا نص على دوام الفعل بالـ ... إحسان أيضاً في مكان ثان

وكذا ابن عباس فراجع قوله ... لما أجاب في مسائل القرآن

وكذا جعفرٌ الإمام الصادق الـ ... ـمقبول عند الخلق ذي العرفان

قد قال لم يزل المهيمن محسناً ... براً جواداً عند كل أوان


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ٢١٠ - ٢٤٣)؛ النبوات ص ٤٣، المطبعة السلفية، ١٣٨٦، القاهرة؛ درء تعارض العقل والنقل (٨/ ٢٧٠).

<<  <   >  >>