للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخلوق؛ ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله في الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً إثبات حوادث لا أول لها، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول، ولا تقبله أكثر القلوب، حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها، مع أنه يقول ويصرح بأن ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم، ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له، كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، فذلك القول منه غير مقبول، بل مرفوض بهذا الحديث، وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج، لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير والتنفير منه، ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: ما منا من أحد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم - " (١).

وقال في موضع آخر: "قلت: ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا: هل القلم أول المخلوقات أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما، وأنا وإن كان الراجح عندي الأول، كما كنت صرحت به في تعليقي عليه ... فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك، فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق، والقائلون بحوادث لا أول لها، مخالفون لهذا الاتفاق، لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا أول له، كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه، فإن قالوا: العرش أول مخلوق، كما هو

ظاهر كلام الشارح، نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها، وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق، فتأمل هذا فإنه مهم، والله الموفق" (٢).

ولعل من الذين ذهبوا إلى هذا القول الإمام الطحاوي رحمه الله كما رجح ذلك الإمام ابن أبي العز عند شرحه على قول الإمام الطحاوي: "ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري" (٣) يشير أنه موصوف بهذه الصفات وإن لم تظهر آثارها، وأنه لا يلزم من القول بأن جنس الحوادث لها أول أنه كان معطلاً عن الصنع، وهذا مخالف لقول


(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة (١/ ٢٥٨)، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض.
(٢) العقيدة الطحاوية شرح وتعليق ص ٢٠ - ٢١، لمحمد ناصر الدين الألباني.
(٣) شرح العقيدة الطحاوية، ص ٨٧.

<<  <   >  >>