القول الثالث: التوقف في المسألة، وأن هذه من الغيبيات التي لم يخبرنا الله تعالى عنها، وممن ذهبوا إلى هذا الشيخ ابن جبرين رحمه الله فقال:"ونتوقف عن تسلسل الحوادث في الماضي، ونقول: الأمر غيبٌ، ولم يخبرنا الله تعالى بشيء من ذلك، وليس لنا التدخل في هذه الأمور، لأنها من الأمور التي لا يضر جهلها، ولا يفيد علمها، وقد توقع في شيء من الحيرة والاضطراب، والمسلم عليه أن يقتصر على ما فيه فائدة له في العقيدة، وأنه يعتقد ما ينفعه، ويكون دافعاً له لمعرفة ربه بأسمائه وصفاته، وإلى التقرب إلى الله تعالى بموجب تلك الأسماء"(١).
هذا ما وقفت عليه من أقوال أهل السنة في مسألة تسلسل الحوادث، وقد قصدت توضيح الأقوال باختصار، وليس حصر القائلين.
رأي الباحث في مسألة تسلسل الحوادث:
لا ريب أن المسألة بتفصيلاتها ولوازمها دقيقة المنزع، وعرة المسلك، بعيدة الغور، إلا أن هناك أصلين من أقر بهما فقد برئ من البدعة، وهما مما أجمع عليه أهل السنة حتى المختلفون في
بعض تفاصيل المسألة، وإنما وقع الخلاف في لوازم الأقوال أنها تقدح في أحد هذين الأصلين:
١ - أن الله تعالى لم يزل مريداً، خالقاً، فاعلاً، فلم يأت عليه زمن كان معطلاً فيه عن صفة الخلق؛ وهذا الأصل ضل فيه المتكلمون.
٢ - أن أعيان الحوادث مخلوقة كائنة بعد أن لم تكن؛ وهذا الأصل ضل فيه الفلاسفة.
(١) الرياض الندية على شرح العقيدة الطحاوية (١/ ٤٥٤)، تعليق: د. عبدالله عبدالرحمن الجبرين، الطبعة الأولى ١٤٣١، دار الصميعي، الرياض.