للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موضع آخر:

"وإن أحاديث الصفات وآيُها ... تمر كمر السحب من غير ما نشر

وما جاء عن القرآن أوضح نقله ... عن السيد المختار من ناقلي الأثر

تلقته منَّا بالقبول قلوبنا ... وذلّت له الأسماع في العُسر واليسر" (١).

وما قرره جمال الدين السرمري رحمه الله هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب.

قال سفيان بن عيينة: "سئل ربيعة عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق" (٢).

وروي هذا الكلام بنحوه عن الإمام مالك، واشتهر عنه فعن جعفر بن عبدالله قال: "جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبدالله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] كيف استوى؟ قال " فما رأيت مالكاً وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء -يعنى

العرق- قال: واطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتى منه فيه، قال: فسُرِّي عن مالك فقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالاً وأمر به فأخرج" (٣).

قال الإمام الذهبي عقبه: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوزام ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله - جل جلاله - لا مثل له


(١) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص ٣٢.
(٢) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص ٤٤٢، للإمام اللالكائي.
(٣) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص ٤٤١، للإمام اللالكائي.

<<  <   >  >>