للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن أبي العز: " واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: من الآية ٧١] ما هو؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط، قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: ٧٢]، وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة»، قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: من الآية ٧١] فقال: «ألم تسمعيه قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: ٧٢]» أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله، بل تستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه، يقال: نجاه الله منهم ... وكذلك حال الوارد في النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً، فقد بين - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر المذكور: أن الورود هو الورود على الصراط" (١).

أما من السنة: فقد حكى بعض العلماء أن أحاديث الصراط بلغت حد التواتر المعنوي (٢).

والإيمان بالصراط من أصول الإيمان باليوم الآخر.

وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري هذا الأصل بقوله:

"وفي الحشر ميزان ونار وجنة وفيه صراط للمزلة والعبر" (٣).

وما قرره جمال الدين السرمري من الإيمان بالصراط المنصوب على متن جهنم هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين يأولون النصوص الواردة في الصراط عن ظاهرها.

قال السفاريني: "اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسراً ممدوداً على متن جهنم، أحد من السيف وأدق من الشعر، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبد الجبار المعتزلي، وكثير من أتباعه زعماً منهم أنه لا يمكن عبوره، وإن أمكن ففيه تعذيب، ولا عذاب على المؤمنين والصلحاء يوم القيامة، وإنما المراد طريق الجنة


(١) شرح العقيدة الطحاوية، ص ٢٨٠.
(٢) انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر، ص ٢٣١.
(٣) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص ٣٨.

<<  <   >  >>