للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهدى الله أهل السنة للجمع بين النصوص فكان منهجهم وسطاً بين الإفراط والتفريط، فقالوا: إن مرتكب الكبيرة -عدا الشرك- لا يكفر -إذا لم يستحل ذلك- ولا يخرج من الإسلام بهذه المعصية، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته، وإذا مات من غير توبة فهو تحت المشيئة, إن شاء الله غفر له ابتداءاً وأدخله الجنة رحمه منه وفضلاً، وإن

شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم أدخله الجنه بعدله وحكمته.

ولا شك أن هذا المعنى هو ما تواترت عليه أدلة الكتاب والسنة:

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٨].

قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرة شركًا بالله" (١).

وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحُجُرات: ٩].

فسمى الله تعالى كلا من الطائفتين المقتتلتين مؤمنة وأمر بالاصلاح بينهما ولو بقتال الباغية (٢).

وكذلك في آية القصاص أثبت الإيمان للقاتل والمقتول من المؤمنين وأثبت لهم أخوة الإيمان فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية ١٧٨].


(١) تفسير الطبري (٨/ ٤٥٠).
(٢) معارج القبول (٣/ ١٠١٨).

<<  <   >  >>