للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحديث أبي ذر - رضي الله عنه - الطويل، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن جبريل عرض له في جانب الحرة، فقال: «بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت يا جبريل، وإن سرق؟ وإن زنى؟ قال: نعم، قال: قلت: وإن سرق؟ وإن زنى؟ قال: نعم وإن شرب الخمر» (١).

وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أن رجلاً كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبدالله وكان

يُلقب "حمَاراً"، وكان يُضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتي به يوماً فأمَر به فجُلِد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله» (٢).

وأحاديث الشفاعة لأهل الكبائر جميعها دالة على هذا المعنى، وقد تقدمت في مطلب الشفاعة.

وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري رحمه الله هذا الأصل، وبيَّن أن لا يكفر أحد من أهل القبلة بكل ذنب، ولا يخرج من الإسلام بمعصية، وأنه يُرجى للمحسن، ويُخاف على المسيء، فقال:

"ولا يخرج الإيمان من قلب مؤمن مصرٍّ على فعل المآثم مستجري

ونرجوا الرِّضا عمَّن قضى وهو مؤمن ويُخشى على من مات وهو على شرِّ" (٣).

وقال في موضع آخر في بيان عدم خلود أهل الكبائر في النار:

"ويدخل ناسٌ بالمعاصي جهنماً ... فيأخذهم منها على قدر الوزر

ويشفع فيهم سيد الخلق أحمد ... عليه صلاة الله ما غرَّد القمري

ويخرج مَن في قلبه وزن ذرة ... بلا شك منها مِن مُقارفة البِرِّ" (٤).


(١) أخرجه البخاري (٨/ ٩٤)، كتاب الرقاق، باب المكثرون هم المقلون، ح ٦٤٤٣.
(٢) أخرجه البخاري (٨/ ١٥٨)، كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة، ح ٦٧٨٠.
(٣) نهج الرشاد، ص ٣٦.
(٤) نهج الرشاد، ص ٣٨.

<<  <   >  >>