البخاري، طويل الممارسة له، مهتمًّا بضبطه وتصحيحه ومقابلته على الأصول الصحيحة التي رواها الحافظ، "حتى إن الحافظ شمس الدين الذهبيّ حَكَى عنه أنه قابله في سنة واحدة إحدى عشرةَ مرة".
وقد عقد الحافظ اليونيني مجالس بدمشقَ؛ لإسماع "صحيح البخاري" بحضرة ابن مالك، وبحضرة "جماعة من الفضلاء"، وجمع منه أصولًا معتمدة، وقرأ اليونينيُّ عليهم صحيح البخاري في واحد وسبعين مجلسًا، مع المقابلة والتصحيح، فكان اليونيني في هذه المجالس شيخًا قارئًا مُسْمِعًا، وكان ابنُ مالك - وهو أكبر منه بأكثر من ٢٠ سنة - تلميذًا سامعًا راويًا، هذا من جهة الرواية والسماع، على عادة العلماء السابقين الصالحين، في التلقي عن الشيوخ الثقات الأثبات، وإن كان السامعُ أكبرَ من الشيخ. وكان اليونيني، في هذه المجالس نفسها، تلميذًا مستفيدًا من ابن مالك، فيما يتعلق بضبط ألفاظ الكتاب، من جهة العربية والتوجيه والتصحيح.
وقد أرَّخ القسطلانيُّ (١) في شرحه السنةَ التي عُقدت فيها مجالس السماع بحضرة اليونيني وابن مالك بأنها سنة ٦٧٦ وكتبها بالحروف لا بالأرقام "ست وسبعين وستمائة" وهذا خطأ قطعًا؛ لأن ابن مالك مات سنة ٦٧٢، وكنت ظننت أولًا أن هذا خطأ مطبعي، ثم رجعت إلى النسخ المخطوطة من شرح القسطلاني بدار الكتب المصرية،