القرآن كتاب الله إلى خلقه، يرسم لهم فيه طريق الهدى والسعادة، أو هو كما وصفه به سبحانه وتعالى:{بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}[إبراهيم: ٥٢]، ونِعم البلاغ.
نزل هذا الكتاب المقدس في أمة كانت تتقاذفها الأهواء والعصبية، وتعمها الجهالة العمياء، فما أسرع ما وضعهم على المحجة الواضحة والطريق السوي، فصاروا أمة على قلب رجل واحد، كلمتهم واحدة، وهم يد على مَن سواهم. وبعد أن كانوا مستضعَفين يخافون جيرانهم من الفرس والروم وغيرهم، ولا يحميهم منهم إلا بَيْداؤهم المحرقة غزوا أعداءهم، وفتحوا بلادهم، واستنزلوهم عن ملكهم، فصاروا سادة الأرض، كل هذا في بضع عشرات من السنين، وكل هذا بهداية الله لهم أن تَبِعُوا أوامره واستمعوا لكلامه.
ثم هذا القرآن أعلى أنواع التشريع في الأرض، وأرقى ضروب الحكمة، فلما اهتدوا به، ومرنت نفوسهم وعقولهم على حكمته
(*) مجلة المنار، المجلد الحادي والثلاثون، الجزء الثامن، ص ٦٢٣ ذو الحجة ١٣٤٩/ مايو ١٩٣١.