هذا عن الدليل على وجوب الإشهاد في الطلاق وفي الرجعة، وأما الدليل على أنه شرط في صحتهما، وأن من طلق أو راجع بغير إشهاد فقد بطل طلاقه وبطلت رجعته، ولم يصح واحد منهما، فإن الطلاق عمل استثنائي صرف، يخالف القواعد العامة في العقود والفسوخ، وكذلك الرجعة؛ لأن كلًّا منهما تصرف في عقد بين اثنين، يقوم به أحد طرفي العقد وحده، وهو الرجل من غير اختيار، أو مشاركة له فيه من الطرف الآخر، وهو المرأة، أذن بهما الشارع الحكيم، في حدود معينة، وبنظام خاص، وليسا مما يملكه الرجل وحده بطبيعة التعاقد؛ لأن الزواج عقد كسائر العقود، لا يملك أحد طرفي العقد التصرف فيه بالإلغاء أو الإنهاء وحده، لولا ما أذن به الله للرجل من حق الانفراد بالطلاق، وكذلك الرجعة هي إعادة للعقد الذي نسخه الرجل وحده، بما جعل الله له من الحق في ذلك، وهي إنما يملك الرجل الانفراد بها - دون الطرف الثاني من العقد بما أذن الله له فيها، ولو لم يأذن الله بالطلاق وبالرجعة للرجل، لم يكن له أن ينفرد بواحد منهما من غير رضا الطرف الآخر في العقد.
(*) العدد ١٦٠، ٨ جمادى الأولى ١٣٥٥ هـ ٢٧ - يوليه ١٩٣٦ م، السنة الرابعة.