عبيد الله المكي القسط، وخلق من الفقهاء؛ كفقيه العراق محمَّد بن القاسم، وخلق من مشايخ القوم؛ كشقيق البلخي وصالح المري الواعظ، والفضيل، والدولة لهارون الرشيد والبرامكة، ثم بعدهم اضطربت الأمور، وضعف أمر الدولة بخلافة الأمين - رحمه الله - فلما قتل واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع وأبدى صفحته، وبَزَغ فجر الكلام، وعُرَّبت حكمة الأوائل ومنطق اليونان، وعمل رصد الكواكب، ونشأ للناس علم جديد مُرْدٍ مُهلك لا يلائم عِلم النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين، قد كانت الأمة منه في عافية.
وقويت شوكة الرافضة والمعتزلة، وحمل المأمون المسلمين على القول بخلق القرآن، ودعاهم إليه فامتحن العلماء، فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ إن من البلاء أن تعرف ما كنت تُنكر وتُنكر ما كنت تعرف، وتُقَدَّم عقول الفلاسفة، ويعزل منقول أتباع الرسل، ويُمارى في القرآن، ويتبرم بالسنن والآثار, وتقع في الحيرة، فالفرارَ الفرارَ قبل حلول الدمار، وإياك ومضلات الأهواء ومجاراة العقول، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. [آل عمران: ١٠١](تذكرة الحفاظ جزء ١ ص ٣٠٠).
* * *
[كتاب المهذب للذهبي]
وجدت بدار الكتب المصرية كتاب (المهذب) للذهبي بخطه، وعلى ظهر المجلد الأول ما نصه بخطه - رحمه الله تعالى -: