الفقه في الدين منزلة لا يخفى شرفها وعُلاها, ولا تحتجب عن العقول طوالعها وأضواؤها، وأرفعها بعد فهم كتاب الله المنزَّل، البحث عن معاني حديث نبيه المرسل؛ إذ بذاك تثبت القواعد ويستقر الأساس، وعنه يقوم الإجماع ويصدر القياس، لكن شرط ذلك عندنا أن يحفظ هذا النظام، ويجعل الرأي هو المأموم والنص هو الإِمام، وترد المذاهب إليه، وترد الآراء المنتشرة حتى تقف بين يديه، وأما أن يُجعل الفرع أصلًا، ويرد النص إليه بالتكلف والتخيّل، ويحمل على أبعد المحامل بلطافة الوهم وسعة التخيل، ويرتكب في تقرير الآراء الصعب والذّلول، ويحتمل من التأويلات ما تنفر منه النفوس وتستنكره العقول، فذلك عندنا من أردأ مذهب وأسوأ طريقة، ولا نعتقد أنه يحصل معه النصيحة للدين على الحقيقة، وكيف يقع أمر مع رجحان منافيه؟ وأنَّى يصح الوزن بميزان مال أحد الجانبين فيه؟ ومتى يُنصف حاكم ملَكَته غضبة الصبية؟ وأين يقع الحق من خاطر أخذته العزة بالحمية؟ ... إلخ. (الفتوى في الإِسلام صحيفة ٤٤)
* * *
[السؤال عما لم يقع]
قال الحافظ البيهقي: وقد كره بعض السلف للعوام المسألة عما لم يكن، ولم يمض به كتاب ولا سنة، وكرهوا للمسؤول الاجتهاد فيه قبل أن يقع؛ لأن الاجتهاد إنما أُبيح للضرورة، ولا ضرورة قبل الواقعة، وقد يتغير اجتهاده عند الواقعة فلا يغنيهم ما مضى من الاجتهاد،