وأما الذي أراه وأذهب إليه، فهو وجوب الإشهاد في الأمرين جميعًا وأنه شرط في صحة كل منهما؛ لأنه ثبت من دلالة الآيتين في أول سورة الطلاق أن الله سبحانه أمر الرجلين بالإشهاد عند الطلاق وعند المراجعة؛ والأمر في حقيقته دائمًا للوجوب، ولا يدل على الندب إلا دلالة مجازية؛ والمجاز لا يراد من الكلام إلا بوجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، ولا قرينة هنا أبدا تمنع إرادة المعنى الحقيقي، وإن ادعى الشوكاني في نيل الأوطار ذلك؛ إذ قال (ج ٧ ص ٤٣ - ٤٤): "ومن الأدلة على عدم الوجوب؛ أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق، كما حكاه الموزعي في تيسير البيان". وما أكثر دعوى العلماء الإجماع، خصوصًا في مسائل الطلاق! ! وهي دعوى عريضة، يدعونها في كثير من المواطن إذا ما غلبتهم الحجة وأعوزهم البرهان، وليس لهم عليها أي دليل! كما قلت في (نظام الطلاق) وبينت هناك المعنى الصحيح للإجماع "لكثرة إرجاف المرجفين بدعوى الإجماع في الطلاق، ليرعبوا العلماء المجتهدين الصادقين المخلصين، ويصرفوهم عن البحث فيه، أو يؤلبوا عليهم العامة والغوغاء، فتحاماه أكثرهم وأحجموا عنه، إلا من ثبّت الله قلبه وأيده بروح من عنده"(ص ٩٦ - ١٠٣).