للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمحدثون هم أئمة علم التاريخ وأساطينه، وهم الحفَظة عليه بما وضعوا من قواعد دقيقة متقنة لنقد الرواية والراوي، وعلى مناهجهم سار من قلدهم من المؤرخين وغير المؤرخين، حتى إنا لنجد الأقدمين كانوا يروون الشعرَ ومتن اللغة وكثيرًا من القواعد في العلوم الأخرى على طريقة المحدثين، وإن كان تقليد هؤلاء لم يبلغ شأوَ أولئك ولا قاربه، وأقرب مثال لذلك كتاب "الأغاني" وكتاب "مصارع العشاق"، وهما أبعد ما يكون عن صناعة الحديث، ولكنّ مؤلفيهما رويا القصص والشعر فيهما بالأسانيد على طريقة المحدثين، وإن لم ينقدا الأسانيد ولم يتحريا في الرواية كما يصنع المحدّثون. وسأدع وصف هذا الجزء "ترجمة عائشة" ليصفه ناشره ومحققه الأستاذ سعيد الأفغاني بقلمه في مقدمته قال:

"ترجم للسيدة عائشة كثيرون من أعلام المؤرخين، إلا أن هذا المصدر (سِيرَ أعلام النبلاء) يتفرد بمزايا ليست في مصدر آخر: إنها ترجمة فنية من الوجهة (الحديثية)، ونحن نعلم أن التاريخ في الحضارة العربية ولد في أحضان علم الحديث، وتعهده المحدّثون حتى نشأ وترعرع وبلغ أشده واستقل قائمًا بنفسه، وأعاظم المؤرخين الأولين هم كبار أئمة الحديث، وقد تفنن فيه هؤلاء فنونًا كثيرة تستعصي على الحصر، واتسعوا فيه اتساعًا استطاع معه (مغلطاي) أن يقول: "رأيت من مَلك نحوًا من ألف تصنيف في التاريخ". بل إن الحافظ السخاوي مؤرخ المئة التاسعة قرأ خط الذهبي: يذكر فنون

<<  <  ج: ص:  >  >>