ثم هُمْ لا يكادون يستمعون إليه، إلَّا أن يكون المتغني - ولا أقول القارئ حسن الصوت - متلاعبًا بالنغمات، عابثًا بأوتار صوته، مغيرًا من معاني القرآن بما يجهل من أحكام الوقف والأداء، لا يهمه إلا الطرب، ولا يهمهم إلا الطرب. ذلك عندهم معنى ترتيل القرآن.
أما العبرة، وأما الموعظة، وأما الفقه فيه والاهتداء بهديه، فذلك آخر ما يفكرون فيه.
رأى هذا أو بعضه مؤلفو هذا الكتاب، فرأوا أن يعالجوا الداء من ناحية من نواحيه: ناحية القصص؛ فوضعوا كتابهم النفيس، رجاء أن يكون له أثر في تربية النشء وتهذيبه، وكلهم معلم مدرس. وأرى أن قد كان له أثر جليل، فإن هذه الطبعة هي الطبعة الثالثة.
وقدموا بين يدي الكتاب كلمة أبانوا بها عما إليه قصدوا:
"امتاز قصص القرآن الكريم بسموّ غاياته، وشريف مقاصده، وعلو مراميه: اشتمل على فصول في الأخلاق مما يهذب النفوس، ويجمّل الطباع، وينشر الحكمة والآداب، وطرق في التربية والتهذيب شتى، تساق أحيانًا مساق الحوار، وطورًا مسلك الحكمة والاعتبار، وتارة مذهب التخويف والإنذار، كما حوى كثيرًا من تاريخ الرسل مع أقوامهم، والشعوب مع حكامهم، وشرَح أخبار قوم هُدوا، فمكن الله لهم في الأرض، وأقوام ضلوا، فساءت حالهم، وخربت ديارهم، ووقع عليهم العذاب والنكال، يضرب بسيرهم المثل، ويدعو الناس إلى العظة والتدبر".