الطريق العلمي الصحيح في إخراج الآثار العلمية القديمة، لأثبت النص كما هو، ثم قرن إليه ما يشاء من نصوص غيره، إن وجد إلى ذلك حاجة ملحة أو ضرورة ملجئة.
وسأذكر مثلًا من ذلك مما في الكتاب، لا على سبيل الحصر والاستقصاء، وهي تدل على ما وراءها:
(ص ١ - ٢ في أول الكتاب) قال المقريزي: "النحل حيوان، وهيئته ظريفة، وخلقته لطيفة، ومهجته نحيفة، وسطه مربع" إلخ. هذا نص المؤلف الذي يؤخذ من التعليقات التي كتبها الشارح، فإنه غيّره في صلب الكتاب، وأثبت في الهوامش ما كان في الأصل ومصدر التغيير، أثبته هكذا:"النحل حيوان [ذو] هيئة ظريفة، وخلقة لطيفة، وبنية نحيفة، وسط [بدنه] مربع". أظن أن القارئ يرى أن معنى النصين واحد، وأن كلام المقريزي سليم، فما الذي دعا الشارح إلى أن يزيد كلمتي (ذو) و (بدنه)، وأن يغير "مهجته" إلى "بنيته"، ثم يقول: إن التصحيح عن القزويني ومسالك الأبصار؟ ! لو كان القزويني وابن فضل الله العمري متأخرين عن المقريزي ونقلا كلامه لكان له عذر أن يعتبر النص فيها نسخة أخرى من كلام المقريزي، ولكنهما متقدمان عليه، والمقريزي لم يزعم أنه نقل كلامهما، بل كل مؤلف يعبر عما يعلم مما قرأ في كتب المتقدمين بالعبارة التي تروقه، فليس لنا أن نلزم واحدًا منهم بكلام الآخر، إلَّا أن يكون خطأ، فنثبت كلامه كما هو، ثم نبين ما نرى من تصحيحه.