٩ - (ص ٢٦١) تحدث المؤلف عن تعصب العرب لجنسهم حديث غير العارف به، ثم عرض في أثناء ذلك لشأن القصاص في الشريعة فقال:"والقصاص حد من الحدود يقيمه ولي الأمر، ولا يتولاه ولي الدم بنفسه". وهذا غير صحيح، فإن حكم الشريعة أن يُرفع الأمر إلى ولي الأمر أو نوابه، من الولاة أو القضاة، فإذا ما ثبت حقُّ القصاص ووجب، وحكم الحاكم به تولاه وليُّ الدم بنفسه إن كان قادرًا عليه، والأصل في ذلك قوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}[الإسراء: ٣٣]. وقد فرَّع الفقهاء في ذلك صورًا كثيرة، فيما إذا كان وليّ الدم عددًا أكثر من واحد، أو كان صغيرًا أو محجورًا، إلى غير ذلك من الصور.
وأقرب مَثَلٍ لذلك ما جاء في كتاب الأم للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي (ج ٦ ص ١٧ - ١٩) وفي كتاب البدائع لملك العلماء أبي بكر الكاساني الحنفي (ج ٧ ص ٢٤٣ - ٢٤٤). ولقد أرى أن المؤلف قرأ كثيرًا من كتب المستشرقين وغيرهم من الإفرنج، ودرس القوانين الأجنبية وتوسع في دراستها، فتأثر تأثرًا قويًّا ظاهرًا بما قرأ وبما درس، فحين أراد أن يكتب في التاريخ الإسلامي، وما يتصل به من التشريع الإسلامي غلبه ما يعلم وملأ قلبه ونفسه يقينًا وإعجابًا، فنسب إلى تاريخ الإسلام وإلى الشريعة ما خُيِّل إليه أنه ينبغي أن يكون، ظنًّا منه أنه قد كان! !