وهذا الذي حكاه عن عمر هو حكم الإسلام في القرآن والحديث نصًّا، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، ورسول الله يقول:"ليس على مسلمٍ جزية". رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث ابن عباس. انظر تفسير القرطبي (٨ ص ١١٤)، ونيل الأوطار للشوكاني (ج ٨ ص ٢١٩). والذي ننكره على المؤلف أن يجعل هذا من عمل عمر ورأيه وسياسته، كأنه حكم على اجتهادٍ منه، وهو حكم بديهي منصوص، وكان عمر فيه متبعًا لا مجتهدًا.
٢ - وقد أنكر المؤلف على المؤرخين المتقدمين أنه بلغ من إكبارهم لسيرة عمر "أن أضافوا إليه أمورًا أدنى إلى المعجزات التي خصَّ بها الأنبياء، وأن ذكروا ما لا يستطيع المؤرخ الناقد إثباته، وعمر في غير حاجة إلى شيء من ذلك يضاف إلى سيرته، فما قام هو به وما تمَّ في عهده، مما يقره النقد التاريخيّ، يقيم له في صحف التاريخ صرحًا عاليًا باقيًا إلى الأبد، ولو أن المؤرخين الأقدمين لم يضيفوا هذه الخوارق إلى سيرة عمر لأغنوا من جاء بعدهم عن بذل الجهد في تمحيصها، ولجنّبوهم الاختلاف على مبلغ صحتها، ولما طفّف ذلك من قدر عمر، ولا نقص من جلال صنعه، وقد رأيت من الخير أن أغفل من هذه الحوادث ما لا يقره العقل ولا يثبت للنقد، ثمَّ رأيتُني بعد ذلك مضطرًّا إلى أن أثبت حوادثَ يتصوَّر العقل في شيء من العسر وقوعها، ومع هذا تضافر المؤرخون على روايتها تضافر تواترٍ يدعو إلى النزول على حكمهم فيها". (ج ١ ص ٩).