المؤلف أن حادثة سارية من الحوادث التي "تضافر المؤرخون على روايتها تضافر تواتر"! وأظن أن سعادته لم يطلع على شيء مما قاله المحدَّثون والأصوليون في معنى التواتر ودلالته العلمية، والفرق بينه وبين غيره من طرق النقل عند العلماء! ولو اطلع على ذلك لقال شيئًا غير هذا.
٣ - وذكر المؤلف (ج ١ ص ٣٥) أن عمر "لما استخلف كان أول دعائه قوله: اللهمَّ إني غليظ فليّني، اللهم إني ضعيف فقوِّني، اللهم إني بخيل فسخّني". ثم قال:"أما ما ذكر عن بخله فسببه أنه لم يكن غنيًّا، وأن أباه لم يكن غنيًّا". إلى آخر كلامه. وما كانت به حاجة إلى هذا التكلف، فإن هذا الدعاء لا يدل على أن عمر كان بخيلًا، وما زعم ذلك له أحد قط، وما كان الفقر سببًا للبخل أبدًا، وإنما البخل داءٌ نفسي قد يزيده الغنى تمكنًا. والمؤلف يستنبط أن عمر كان "متوسط الحال في الغنى طول حياته"، وأكثر ما يكون الكرم في المتوسطين والفقراء. ويعيذ الله عمر من داء البخل، ورسول الله يقول:"أيُّ داءٍ أدوى من البخل". وإنما كان مثل هذا الدعاء أن يظن الرجل الصالح بنفسه التقصير عن درجة الكمال، حتى ليسمي عمله باسم درجة النقص، رغبةً إلى ربه وتواضعًا، فيسأله أن يتمم من خلقه ما يظنه نقصًا، ولذلك لم يزعم أحد قط، ولم يستطع المؤلف أن يزعم، أن عمر كان ضعيفًا إذ يقول:"اللهم إني ضعيف فقوّني". بل قال:(١: ٣٣) "ولما تدرَّج عمر من الصبا إلى الشباب بدا في مظهر