بقتل مالك بن نويرة لإصراره على الردّة بمنع الزكاة، وأخذ امرأته وابنها سَبْيًا، وأن ليس في شيء من ذلك ما يُلام عليه خالد، لموافقته أحكام الشريعة، وأن عمر إنما سخط على خالد أن لم يتبين وجه حجته، وأن أبا بكر تبين معذرة خالد فبرأه، وكان إذ ذاك ولي الأمر الذي يملك فصل القضاء فيه، وقد قضى بالبراءة، فلا يملك أحد بعده أن يشكك في قضائه أو بعيد النظر فيه، لا أحد ولا عمر نفسُه، حتى إن متمم بن نويرة جاءه في خلافته يستعديه على خالد، لما كان يعرف من رأيه في هذه المسألة نفسها، فقال له:"لا أرد شيئًا صنعه أبو بكر". فقال متمم: قد كنت تزعم أن لو كنت مكان أبي بكر أقدته به. فأجابه عمر الجواب الحازم الحاسم:"لو كنتُ ذلك اليوم بمكاني لفعلتُ، ولكني لا أردّ شيئًا أمضاه أبو بكر". وقد قلنا في ذاك المقال: "وما نظن عمر يفعل ما كان يريد لو كان خليفة ذلك اليوم، إنما هو يبين عن رأيه في أمر قد نظر إليه من جانب واحد، هو جانب الاتهام، ولعله لو قد سمع الطرف الآخر، طرف الدفاع، ونظر إلى الأمر من الجانبين كما نظر إليه أبو بكر، لانتهى إلى ما انتهى إليه حكم أبي بكر. وفي مثل هذا تختلف أنظار القضاة ويختلف اجتهاد المجتهدين، في وزن الأدلة، وتقدير البراهين، فلن تكون كلمة عمر وحدها حجة على خالد، تثبت عليه إجرامًا لم يثبت عند الحاكم، وقد برّأه الحاكم مما نسب إليه، ولن تكون كلمة عمر وحدها حجة على أبي بكر، حتى يُتهم بالتهاون في شأن جرم يوجب الحدّ أو القصاص،