ونصف صفحة عما كان يجول في خاطر عمر تلك الليلة! ! وما أظن - وأنا رجل من المتحفظين في الرواية والنقل - أن مثل هذا العمل مما يجوز للمؤرخ، وما يبعد أن يأتي من بعده من ينقله عنه، ظنًّا أن هذا قد كان، رواه الدكتور محمَّد باشا هيكل! ! بل إني أومن أن هذا لا يجوز، ولقد كتبت بهامش نسختي من كتابه في هذا الموضع:"للمؤلف خيال قوي على الطريقة الأوربية، فالمظنون الراجح في مثل هذا الموقف أن يفكر عمر فيما هو مقدم عليه، ولكن سياق الكلام الموهم أن هذا حصل فعلًا يستدعي أن يكون هناك نقل صحيح بذلك، أو يكون تزيدًا وافتعالًا". وسأدع للقارئ بعد أن يحكم فيه بما يرى.
٩ - (ج ١ ص ٩١ في الحاشية) نقل المؤلف رواية عن ابن سعد أن عمر خطب في الناس خطبة بعد دفن أبي بكر، ثم ردَّ هذه الرواية بأن أبا بكر دفن بعد ما جنَّ الليل، وأنه ليس طبيعيًّا أن يخطب عمر في القوم الذين تولوا الدفن "ثم إن أكثر الناس كانوا قد أوَوْا إلى منازلهم، فلم يكن منهم بالمسجد في هذه الساعة إلا قليلون، هم أهل الصُّفَّة؛ لأن المسجد لم يكن يضاء في ذلك العهد". وهذا لون من التحقيق العلمي! ! لا عهد لنا به، فإن الجزم بأنه لم يكن في المسجد في تلك الساعة إلَّا أهل الصُّفَّة لا يكون إلَّا عن نقل صحيح؛ لأنه شيء مادي لا يدرك بالعقل وحده، ويستحيل عادةً أن يدرك بالتعليل بأن المسجد لم يكن يضاء في ذلك العهد! والثابت في السنة والتاريخ أنهم كانوا يسهرون ويسمرون في المسجد، وكانوا يصلون الفجر