تُذَكِّرُ هذه الأصنامُ والأوثانُ أحدًا بجاهليته، فيثور في نفسه إليها حنين، أما الذين صفت قلوبهم لله وتطهرت نفوسهم من كل عبادة إلَّا عبادته جل شأنه، فأولئك لا خوف عليهم أينما صَلَّوْا، وأولئك يرون وجه الله في كل خلقه، جلَّ ثناؤهُ وتباركت أسماؤه! " هكذا قال، حتى علامة التعجب وضعت في أصل الكتاب، ونعوذ بالله من حكاية هذا القول، لولا الضرورة إلى التحذير منه ما حكيناه، وكل مسلم يعلم أنه لا تجوز الصلاة إلى التماثيل وإلى ما يوهم عبادة غير الله، والذي أراد أن ينفيه عن عمر قد صحَّ عنه وعن غيره، ففي صحيح البخاري (ج ١ ص ٤٤٣ - ٤٤٤ من فتح الباري طبعة بولاق) "قال عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور. وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلَّا بيعة فيها تماثيل". فلا موضع لما افتعله المؤلف من رد الرواية عن عمر برأيه وهواه.
ويخيّل إليَّ أن للمؤلف في الوثنية رأيًا خاصًّا، لا يقره عليه أحد، يرجع بها إلى عهد الجاهلية وآراء الجاهلية، وقد جاء القرآن بحربها وهدمها؛ فإن المؤلف عاد إلى مثل هذا المعنى عند الكلام على فتح مصر (ج ٢ ص ٧٩) قال: "فالتوجّه الديني أصيل في الشعب المصري بحكم طبيعته، كذلك كان شأنه في عهود الفراعنة، وكذلك ظلَّ شأنه على القرون، ولعلَّ بساطة عقيدته، مع تغير الأديان التي دان بها، كانت ذات أثر في تمسكه بمذهبه، فهو موحَّد من أقدم العصور، وهو على توحيده يشعر بأن الإله الخالق المنعم جلَّ شأنه أعظم من أن