تقرير ولا نسخ، وبذلك كانت من جزئيات المسألة الأصولية التي اختلفت فيها العلماء، وهي:"شرع من قبلنا شرع لنا") إلى آخر ما قال.
فهذا كلام موهم، أعني قوله:"وقد اتفق العلماء على أنه لم يلحقه في القرآن تقرير ولا نسخ". فإن القول الصحيح عند العلماء: أن شرع من قبلنا إذا حكاه الله لنا عنهم، كهذه الآية في القصاص، لا يكون شرعًا لنا إلّا إذا لحقه تقرير في شرعنا، أي؛ إقرار العمل به من الشارع، وليس من الصحيح اشتراط أن يكون هذا التقرير في القرآن، ولكن المؤلف العلامة ذكر كلمة "في القرآن" في ثنايا كلامه طردًا لرأيه في هذه المسائل على وتيرة واحدة، بما ذهب إليه أو لمح له مرارًا من عدم الاحتجاج بالأحاديث إلَّا فيما يرى هو أنها فيه موضع حجة، وقد ذكر المؤلف نفسه في هذا البحث من السنة حديث أنس بن مالك الذي فيه "كتاب الله القصاص"، ثم عقب عليه ص ١٩٠ بأشياء يظن أنها إضعاف للحديث، وما هي بتضعيف، والحديث صحيح لا شك في صحته ولا يعيبه ما يذهب إليه المؤلف الجليل من أنه "حديث آحاد"؛ فإنه حتى الذين يحاولون الطعن في "أحاديث الآحاد" لم يخالفوا في أن الحديث الذي يوافق القرآن حجة مبين للقرآن، وهذا حديث موافق للقرآن، يأمر بالقصاص في السن التي كسرت، ويقول "كتاب الله القصاص"، فهو لم ينشئ حدًّا جديدًا، وإنما هو إقرار لعقوبة ثبتت بالقرآن حكاية عن شرع من قبلنا، فلا يدخل في إنكار "كثير من الأصوليين صحة الاستدلال به على مشروعية العقوبات