حدثنا معمر عن الزهري وهشام بن عروة قالا: نكح النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي ابنة تسع سنوات أو سبع". وأنا أوقن، أن الكاتب الجريء أعرف باللغة العربية من أن يخفى عليه الفرق بين معنى نكح، وبين معنى خطب، وأنه لن يعبر لفظ إحداهما إلى لفظ الأخرى عن جهل بهما، وإنما يفعل ذاك عن عمد وهو يعرف ما يفعل.
ثم ما باله يدع الروايات الصحيحة المتواترة، ولا يستند إلا إلى الروايات الشاذة أو المنكرة، التي تخالف كل رواية صحيحة؟ أمامه الروايات الصحيحة في كتاب ابن سعد وغيره عن الزهري وعن هشام ابن عروة وعن غيرهما؛ أن رسول الله تزوج عائشة وهي بنت ست سنين، وفي بعضها "سبع سنين" ودخل بها وهي بنت تسع سنين. فما بال هذه الرواية التي لا شك أن راويها أخطأ فيها، أو اختصر فأخطأ من روى عنه فهم اختصاره، ولكن الكاتب الجريء يريد شيئًا معينًا، فلا عليه أن يتخير من الروايات أضعفها، ولا عليه أن يحرف ألفاظها إلى ما يشاء؛ لتصل به إلى ما يريد! ثم هو يريد أن يصور للقارئ أن الذي كان في السنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاث سنوات هو خطبة فقط، يوهم أنه لم يكن هناك زواج، وإن لم يصرح بنفيه فيقول (ص ٦٣):
"وجرت الخطبة بعد ذلك في مجراها الذي انتهي بالزواج بعد سنوات". ويقول (ص ٦٤): "فتمت الخطبة في شوال سنة عشر من الدعوة قبل الهجرة بثلاث سنوات".