رأيًا رسخ في قلبك، وغَلَبَك رأيُك فلم تستطعْ له دفعًا، فجرى به قلمُك حين رأيتَ القول بأنّ "من الناس ... ومن الناس ... "، فكتبتَ تعليقك عندَه، قبل أن تقرأ ما جاء بعده، من أن شيخ الإسلام يثبتُ شيئًا كثيرًا من ذلك جَرَى له ولأصحابه مع الجنّ، بل لعلك حين هَدَأتْ نفسُك، واستراح قلبُك بما خَرَج منه، لم تقرأ آخر الكلام، أو قرأتَه غير عابئٍ به، ولا مُلْقٍ له بالًا، ولا مُتَعَمّقٍ فيما وراءه من معنًى ولستُ أدري أيقومُ هذا الاعتذارُ أم ينهار؟ إنما هذا هو الذي صنعتْ يدُك.
* * *
ثم أكثرُ من هذا وأشدُّ خطرًا: أنّ إنكارَك ما أنكرتَ، فيه إنكارٌ لكثير مما ثبت بالسنّة الصحيحة، التي عِشْنَا عُمُرَنا نَدْفَعُ عنها، ونردُّ على منكريها، ونعيبُ متأوّليهما بما يُخرج الكلام عن معناه الصحيح، ولعلك تذكر من هذا الشيء الكثير.
ولستُ الآن بصدد تحقيق الأحاديث الثابتة، في رؤية بعضِ الصحابة - رضوان الله عليهم - للجنّ، وتصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم، فيما حَكَوا عمّا رَأوْا، فأنا أثق أنك قرأت من ذلك ما قرأت أو أكثر منه، وأنك عرفته حقَّ المعرفة، وإنما يكفي من ذلك الإشارة:
فحديث أبي هريرة في صحيح البخاري (٤: ٣٩٦ - ٣٩٨ من فتح الباري) - فيه قصتُه مع الجنّي الذي كان يأخذُ مما كُلِّف أبو هريرة بحفظه من زكاة رمضان، وأخذه إياه، ثم إنه خلى عنه حين أبدى له