بما يمس المحاكم الشرعية، ولكنا نريد من هؤلاء الكتاب أن يتأدبوا بالأخلاق الفاضلة، ويكبحوا من جماح أقلامهم، وليضعوا في قلوبهم ما شاؤوا، فإن للكتابة آدابًا وللنقد حدودًا. وعفا الله عن سديف الشاعر حيث يقول:
لا يغرنك ما ترى من أناس ... إن تحت الضلوع داء دويا
إن هؤلاء القوم أبعد الناس عن الأزهر والمحاكم الشرعية والعلماء، ليس لهم أبناء ولا إخوان يدرسون في المعاهد، وليس لواحد منهم صلة بمحكمة شرعية، ومع هذا فإنهم قد نصبوا أنفسهم لإصلاح هذا الأزهر، وهذه المحاكم، كأنهم لم يجدوا منكرًا إلا فيها، وكأنهم ألصق الناس بها، ولو خلصت نياتهم وتأدبت أقلامهم لتقبلنا منهم ذلك، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيثما وجدها.
في مصر بجوار المسلمين نصارى ويهود من كل الطوائف والمذاهب، وفيهم رجال لأديانهم ومجالس مالية تحكم بينهم - وهم أمس الناس بها رحما - فما بالهم لا ينقدون واحدًا من رجالها ولا يتعرضون لشيء من نظمها وتعاليمها وأحكامها - وفي كثير منها قول لقائل - أفكان هؤلاء منزهين عن الخطأ؟ وكانت نظمهم وتعاليمهم في الذروة العليا من الإتقان والعدالة، لا مغمز فيها لطاعن؟ أم هو الغرض والهوى والعصبية توقد نارها في قلوب جمعيات التبشير {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ}[الصف: ٨].