المستشرقين عن الآثار: (لكن عملهم هذا الشيء وإمساك أية لغة بخناق أهلها دهرًا طويلًا شيء آخر.
وانظروا إلى قوله في الفقرتين ٤ و ٥ "لكن حال اللغة العربية حال غريبة، بل أغرب من الغريبة؛ لأنها مع سريان التطور في مفاصلها، وتحتيتها في عدة بلاد من آسية وأفريقية إلى لهجات لا يعلم عددها إلا الله، لم يدر بخلد أي سلطة في أي بلد من تلك البلاد المنفصلة سياسيًّا أن يجعل من لهجة أهله لغة قائمة بذاتها، لها نحوها وصرفها وتكون هي المستعملة في الكلام الملفوظ وفي الكتابة معًا تيسيرًا على الناس، كما فعل الفرنسيون والإيطاليون والأسبان، أو كما فعل اليونان، ولم يعالج أي بلد هذا التيسير، وبقي أهل اللغة العربية من أتعس خلق الله في الحياة، إن أهل اللغة العربية مستكرهون على أن تكون العربية الفصحى هي لغة الكتابة عند الجميع، وأن يجعلوا على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرًا، وأن يردعوا عقولهم على التأثر بقانون التطور الحتمي الآخذ مجراه بالضرورة، رغم أنوفهم في لهجات الجماهير، تلك اللهجات التي تتفرع فروعًا لا حد لها ولا حصر، والتي تتسع كل يوم مسافة الخلف بينها وبين الفصيحة جدة جداتها اتساعًا بعيدًا، هذا الاستكراه الذي يوجب على الناس تعلم العربية الفصحى، كما تصح قراءتهم وكتابتهم، هو في ذاته محنة حائقة بأهل العربية، إنه طغيان وبغي؛ لأنه تكليف للناس بما فوق طاقتهم، ولقد كنا نصبر على هذه المحنة لو أن تلك العربية الفصحى كانت سهلة المنال كبعض اللغات