قطعي الثبوت، مرسومًا في المصاحف هذا الرسم العربي المعروف، رسمه حفاظه والقائمون عليه من أصحاب رسول الله، تحت سمعهم وبصرهم جميعًا، وحُصرت طرق رسمه محدودة مفصلة في كتب القراءات وفي كتب خاصة بالرسم، ونقل إلينا أيضًا قراءاته الصحيحة موافقة لهذا الرسم نفسه، نقل تواتر قطعي الثبوت، أو على الأقل في بعضها القليل النادر نقلًا صحيح الإسناد برواية الثقات عن الثقات، نقل إلينا ذلك سماعًا ومشافهة، مبينًا فيه النطق وطرق الأداء (١).
فكنا وكان الناس في هذا بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يكون الرسم هو الذي ثبت أولًا ثم جاءت هذه القراءات احتمالات فيه، يمثلها كل قارئ بما يرى أو بما يستطيع، وإما أن تكون القراءات هي الأصل ثم رسم الكتاب على الوجه الذي يمثلها كلها ويحتملها حتى لا يخرج عنه شيء منها.
أما المستشرقون ومن قلدهم من الجهلة الأغرار ممن ينتسب إلى المسلمين فذهبوا إلى الوجه الأول واختاروه ونصروه، أعني أنهم فهموا أن القرآن (يجب أن يكون على شكل واحد وبلفظ واحد) وأن هذا الشكل الواحد واللفظ الواحد رسم بهذا الرسم الذي من
(١) وأما ما يروى في بعض كتب التفسير والحديث عن بعض الصحابة وغيرهم من القراءات التى تخالف رسم المصحف، فإن ما صحت روايته منها إنما هو على سبيل التفسير للآية، لم يثبت على سبيل التلاوة؛ لأن أول شروط إثباتها أن توافق رسم المصحف. وهذا بديهي من بديهيات الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة.