للنصوص الواردة في شرائع الدين، لتقوم الحُجة بما صح منها على المختلفين، وقد قام الكل منهم في ذلك بما قدر عليه، وانتهت استطاعته إليه، إلى أن انفرد بالمَزِيَّة في الاجتهاد، والرحلة إلى البلاد، في جمع هذا النوع من الإسناد، بعد التَّتبُّع والانتقاد، الإمامان أبو عبد الله البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري - رضي الله عنهما - فحازا قَصَب السَّبْق فيه في وقتهما، ولفَرْط عنايتهما وبلوغهما غاية السعي والتشمير فيه قويت هممهما في الإقدام على تسمية كتابيهما بالصحيح، وعلم الله - عز وجل - صِدق نيتهما فيه ومشقة قيامهما به وحُسن انتقادهما له، فبارك لهما فيه ورزقهما القبول شرقًا وغربًا، وصرف القلوب إلى التعويل عليهما والتفضيل لهما، والاقتداء في شروط الصحيح بهما، وتلك عادة الله فيمن أحبه، أن يضع له القبول في الأرض كما جاء في الخبر الصادق عن المبعوث الحق - صلى الله عليه وسلم - فهنيئًا لهما, ولمن اهتدى في ذلك بهُداهما، والواجب علينا وعلى من فهم الإِسلام، وعرف قدْر ما حَفِظَا من الشرائع والأحكام، أن يخلِص الدعاء (١) لهما, ولسائر الأئمة الناقلين إليهما وإلينا قواعد هذا الدين، وشواهد أحكام المسلمين. ونحن نبتهل إلى الله - تعالى - في تعجيل الغُفران لهما ولهم، وتجديد الرحمة والرضوان عليهما وعليهم، وأن يبوئ الكل منهم في
(١) في نسخة الأصل (للدعاء). "مجلة المنار، المجلد التاسع عشر، الجزء الخامس، ص ٢٦٦، ذو الحجة ١٣٣٤/ أكتوبر ١٩١٦".