فانظروا وتفكروا، وقارنوا هذه الحال الشاذة الشائعة في الصوم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائمٌ إني صائمٌ". وذلك أن الصائم ينبغي أن يكون هادئ النفس، رضيَّ الخلق يضع نُصْبَ عينيه أن الصيام جُنَّة له من الإثم، جنة له من سوء الخلق، جنة له من المعاصي، جنة له من فحش القول، جنة له من قول الزور والعمل به.
والذي ينبغي لكم في هذا الشهر المبارك - إن سمعتم لنصحي - أن تتبعوا شرائعكم في الصيام؛ فتقتصدوا في الطعام والشراب عند الفطور وعند السحور، وأن تجعلوا سهركم إن سهرتم في قراءة القرآن وتدبره، ومن استطاع منكم أن يقوم الليل فليفعل؛ وذلك أن يصلي في بيته أو مسجده ما شاء الله له أن يصلي، وهذه هي صلاة التراويح التي غيرت عن أصلها، فصار المصلون ينقرونها سِراعًا في وقت قصير بعد صلاة العشاء، صلاة لا تنفع ولا تقبل، وإنما الصلاة ما كانت في خشوع وطمأنينة، وكلما أخرها المصلي إلى ما بعد الثلث الأول من الليل كان أفضل، ثم ينام أحدكم ما شاء الله له أن ينام، ثم يقوم قبل الفجر فيطعم طعامًا خفيفًا للسحور، ثم يصلي الفجر، وإن شاء نام بعد ذلك، وإن شاء تصرف في شأنه وعمله.
أما الذين يأكلون عند انقضاء سهرتهم ثم ينامون إلى ما بعد طلوع الشمس، فإنهم يخالفون سنة الإسلام في السحور، وأخشى أن يذهب تركهم صلاة الفجر بثواب صيامهم، فلا هم صاموا ولا هم أفطروا،