به بين الحق والباطل، وأن يكون الفاروق عمر أول من أرخ التاريخ الإسلامي من الهجرة النبوية، وأنه اختار التاريخ منها؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل، فكان هذا أمارة لنا، وبشرى تطمئن بها قلوبنا، وتنشرح لها صدورنا، أن وفق الله للمسلمين هذا الفاروق خلفًا للفاروق، يفرق الله به فى عصرنا الحاضر بين الحق والباطل، ويعز به الإسلام كما أعزه بعمر - رضي الله عنه -.
أيها السادة:
إن أبرز الحوادث وأبعدها أثرًا في تاريخ الإسلام حادثان خطيران، بنى عليهما كل ما قام للإسلام من مجد ودولة:
أولهما: هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، وثانيهما: غزوة بدر الكبرى. الهجرة استنقذت الإسلام من مخالب الكفر، وغزوة بدر بدء الصراع وفاتحة الفتوح بل هي صرعة الضعيف المسكين، للقوي المستطيل.
وأقوى الحادثين وأخطرهما في الإسلام: الهجرة؛ إذ صبر المسلمون على ما كانوا عليه فيه من بلاء، واحتملوا ما افتن فيه أعداؤهم من ألوان الأذى والمكروه، حتى أمرهم الله بالهجرة إلى المدينة، ثم أمر رسوله بذلك، فكان بدء الاستقلال للدولة الإسلامية الناشئة، وكانت الهجرة أمرًا عظيمًا، لعلنا لا ندرك الآن ما فيها من شدة وعناء، فإن الله قد حرم على المهاجرين أن ينقضوا هجرتهم، فلا يرجع واحد منهم إلى بلده (مكة) إلا لحج أو عمرة أو نحو ذلك،