الحديث الذي ظل إلى عصر البخاري ومسلم (منتصف القرن الثالث الهجري) وضعه خصوم العباسيين، وأن ذلك دليل على التفرقة في نظر المسلمين في ذلك العصر بين أبناء الحرة وبين أبناء الأمة، وهذا رمي بالقول على عواهنه، لا يؤيده أي نص تاريخي، ولا أي نظر سليم، بل كان المسلمون من أول الإسلام، في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم من بعده في سائر عصور الإسلام: لا يفرقون بين أبنائهم من الحرائر والإماء، وآية ذلك أن إبراهيم، كان الابن الوحيد للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أواخر حياته، وكان بهذه الصفة معززًا مكرمًا، وقد حزن الرسول والمسلمون أشد الحزن عند موته طفلًا، وأن أكثر الصحابة في عصره وبعد عصره كان لهم أبناء من الحرائر والإماء، ولم نسمع شيئًا في التفرقة بينهم. وانظر تراجمهم في كتاب (الطبقات الكبير) لابن سعد، تجده يذكر في ترجمة كل صحابي أبناءه - إن كان له عقب - ويذكر أم كل واحد منهم، حرة أو أمة، على قدم المساواة، وانظر ترجمة سيد التابعين وسيد المسلمين في عصره، وهو (زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) في طبقات ابن سعد (ج ٥ ص ١٥٦) وفي ابن خلكان (ج ١ ص ٤٠٣) وفي التهذيب (ج ٧ ص ٣٠٤) وأمه أم ولد، ولم يضع ذلك من شرفه وفضله ونبله شيئًا عند المسلمين، وكذلك الإمامان العالمان الفقيهان: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وغيرهما من السادة الأخيار، والأئمة الأبرار، والله الهادي إلى سواء السبيل.