وقال تعالى في سورة البقرة - وهي مدنية - في وصف اليهود: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨)}. [٧٨].
ولم تذكر عادة "أمي" في غير هذه الآيات من الكتاب الكريم، وسياقها كلها يدل على أن المراد بالأمي هو من لا يعرف القراءة والكتابة، كما هو المعنى المعروف في لغة العرب، وتجاهل كاتب المقال ذلك لا يؤثر في حقائق اللغة والعلم، والقرآن الكريم أوثق كتاب في الدنيا في ثبوت إسناده التاريخي، فليس من شك عند أحد من الناس أن محمدًا بن عبد الله بن عبد المطلب أتى به وأخبر أن الله عز وجل أوحى به إليه، لا يخالف في ذلك أحد.
وبذلك فسرها أئمة اللغة العارفون بها، فمن ذلك قول محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ في التفسير (ج ١ ص ٢٩٦ طبعة بولاق): "إن الأمي عند العرب هو الذي لا يكتب. وأرى أنه قيل للأمي أمي: نسبة له بأنه لا يكتب إلى أمه؛ لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة دون أبيه، كما ذكرنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب". والطبري من أعلم العلماء باللغة العربية، وكتابه أقدم كتاب في أيدينا لتفسير القرآن، والحديث الذي استدل به حديث صحيح ثابت، والنبي - صلى الله عليه وسلم - فسر به كلمة "أمي" في لغة قومه، وخاطبهم بذلك وهم يسمعون.
وقال أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة ٧٥٤ في تفسيره (البحر