ويقرون حديث جابر بن عبد الله: أن عمر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب وقال:"لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني". رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار، وإسناده صحيح (انظر الفتح ١٣: ٢٨١). وهذا المعنى متواتر عند المسلمين معلوم من الدين بالضرورة.
وكان المسلمون في تشريعهم وفقههم مستقلين تمام الاستقلال بكتابهم وسنة نبيهم، لم يتأثروا في شيء من ذلك بكتب النصارى ولا بقوانين الرومان ولا بغيرها من آراء من سبقهم، يعرف ذلك من توسع في دراسة الشريعة الإسلامية وأصولها من الكتاب والسنة، وقد يخفى على من قصر دراسته ومعرفته على كتب الفروع الفقهية، فيخدعه ما يرى فيها من شبه ببعض القواعد القانونية عند غير المسلمين.
وبعد هذا البيان الموجز، لا أراني في حاجة إلى مناقشة الكاتب تفصيلًا في المواضع التي زعم أن القرآن اتفق مع الأناجيل فيها أو خالفها، وأن للعهد الجديد أثرًا في الحديث، أو في كتب الصوفية أو غيرها، وقد دَمرنا الأساس الذي بنيت عليه هذه الدعاوى الباطلة: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ