تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدث فيها جَرْسٌ كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نَغْمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا رام نغمتهما. "ونحن نجد من سمع لغة أهل فحْص البَلوُّط، وهي على ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد، فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبديلًا لا يخفى على من تأمله، ونحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلًا، وهو في البعد من أصل تلك الكلمة كلغة أخرى ولا فرق، فنجدهم يقولون في العنب: العِينب، وفي السوط أَسْطَوْط، وفي ثلاثة دنانير، ثلاثدًّا. وإذا تعرب البربري فأراد أن يقول الشجرة قال: السجرة. وإذا تعرب الجِلِّيقي أبدل من العين والحاء هاء، فيقول: مهمد. إذا أراد أن يقول محمد. ومثل هذا كثير، فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافهما إنما هو من نحو ما ذكرنا، من تبديل ألفاظ الناس، على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل".
وهذا ما قال ابن حزم، وهو قوي جدًّا، وواضح معقول، لا تنقضه أوهام الواهمين، ولا أهواء ذوي الأغراض، وقد وافقناه في أساس نظريته فيما كتبناه تعليقًا على مادة "أمة".
ولكن ابن حزم بعد ذلك انتهى إلى نتيجة لا نوافقه عليها، إذ لم