ثم بماذا كان يخاطب إسماعيل هؤلاء الناس الذين نزل بجوارهم؟ أيعقل أن يخترع لغة ثم يفرضها عليهم فرضًا، حتى يدعوا لغتهم إليها؟ ! أظن أن المعقول المفهوم أن يتعلم هو لغتهم؛ إذ صار بجوارهم، وواحدًا منهم، وكان طفلًا رضيعًا، ثم أصهر إليهم، وولد فيهم، وبقي ببلدهم إلى أن مات، ثم كان ولده منهم.
فإن لم تكن العربية أقدم من السريانية، فإنها على الأقل كانت بجوارها معروفة لقوم معروفين، ويحتمل جدًّا أن تكونا متقاربتين، وأن يكون الخلاف بينهما قليلًا كالخلاف بين اللهجات المتعددة في اللغة الواحدة، حتى كان ميسورًا لإبراهيم وإسماعيل وهاجر أن يَفْهَموا العرب ويُفْهِموهم، أما أن تكون العربية فرعًا من السريانية أو العبرية فلا.
والذي شَبَّه على ابن حزم في هذا أنه سمع أخبارًا سماها "مستفيضة" أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل، وليس لهذا أصل صحيح، بل ورد فيه أثر رواه الحاكم في المستدرك (ج ٢، ص ٥٥٢ - ٥٥٣) عن ابن عباس، وهو أثر ضعيف الإسناد جدًّا، والثابت الصحيح ينفيه، ففي صحيح البخاري (ج ٦ ص ٢٨٥ - ٢٨٦) حديث لابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة إبراهيم وإسماعيل، وفيه: أن إسماعيل وهاجر بقيا وحدهما بجوار زمزم، حتى مرت بهم رفقة من جرهم، وأنهم استأذنوها في النزول عندها فأذنت، ثم قال في