للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام لا يخرج عن المفسر والمؤول إلا بدليل أو قرينة؛ لأنه يكون شبيها بالمعنى المجازي، وقد ورد لفظ "التأويل" في آيات من القرآن على المعنى اللغوي الأصلي، ولكن بعض العلماء والمفسرين ظنها مما يدخل في "التأويل" الاصطلاحي، فنشأ عن ذلك اختلاف واضطراب في آرائهم. والحق أن ذلك على المعنى اللغوي الواضح. ففي لسان العرب (١٣: ٢٥): "وأما قول الله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: ٥٣] فقال أبو إسحاق: معناه: هل ينظرون إلا ما يؤول إليه أمرهم من البعث، قال وهذا التأويل هو قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] أي: لا يعلم متى يكون أمر البعث، وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله. {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: ٧] أي: آمنا بالبعث والله أعلم. قال ابن منصور: وهذا حسن". وأقول: بل هو الصواب الذي لا يفهم من القرآن غيره.

ثم دخل على المسلمين ناس اتبعوا المتشابه في مثل هذا، وأكثروا من القول في القرآن بغير علم، حتى ادعوا أن له ظاهرًا وباطنًا، وأن الباطن لا يعلمه هؤلاء إلا بشيء يزعمونه نحو الإلهام. وهم لم يفقهوا ظاهر القرآن ولم يعرفوا شيئًا من السنة، أو عرفوا وأعرضوا عنه لما وقر في نفوسهم من حب الإغراب، أو من آراء تنافي الإسلام فأرادوا أن يلصقوها به، وعن ذلك نشأت تأويلات الصوفية وغيرهم ممن أشار إليهم كاتب المادة. وهذه التأويلات لا تمت إلى الإسلام بصلة، وإن كان قائلوها يسمون بأسماء إسلامية،

<<  <  ج: ص:  >  >>