والجهال في العصبية للمذاهب الأربعة، ومن عجب أن يقلد العالم الجاهل. وأما الأئمة - رضي الله عنهم - فما كان أحد منهم ليرضى أن يقلده أحد، بل كانوا يعلمون العلم ويظهرون الناس على أدلته، ويجادلهم تلاميذهم وأتباعهم، ويوافقونهم ويخالفونهم، ولم يجعل الله قول أحد من العلماء حجة على الناس، بل الحجة في الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة والاستنباط منهما، وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فما علمه العالم من الدليل واقتنع به وجب عليه اتباعه، وحرم عليه أن يخالفه لقول أحد كائنًا من كان، في كل عصر وحين. وإنما أوهم الناس في هذا الشأن أن ظنوا أن معنى "الاجتهاد" أن يكون العالم المجتهد إمامًا في كل علم وفي كل مسألة، وأن يضع للناس مذهبًا يتبعونه ويلزمون به، ولم يقل هذا أحد. والاجتهاد بلوغ الجهد في المسألة، فرب عالم متوسط درس مسألة واحدة وأتقنها وعرف وجه الحق فيها، ووصل إلى ما لم يصل إليه أعلم منه، وهذا أمر بديهي مشاهد في كل العلوم والمسائل. نعم قد يخطئ العالم، ولكن الله لم يكلفه إلا أن يعمل بما علم وبما وصل إليه اجتهاده. وهذا بالضرورة في المسائل النظرية الخلافية، وأما المسائل المعروفة من الدين معرفة قطعية؛ وهي الأشياء المتواترة تواترًا علميًّا أو عمليًّا فليست محل اجتهاد ولا خلاف، ولا يسمى الآخذ بها مقلدًا؛ لأنها قطعية يقينية. وأكثر العلماء المتقدمين من أئمة الفقه والحديث إنما كان هذا شأنهم،