ذهب سيد قطب إلى القاهرة في سن الرابعة عشرة وضمن له القدر الإقامة عند أسرة واعية وجهته إلى التعليم وهي أسرة خاله الذي يعمل بالتدريس والصحافة، وكان لدى الفتى حرص شديد على التعلم
إلا أنه في القاهرة واجه عقبات محصته تمحيصًا شديدًا جعلته يخرج من الحياة برؤية محددة قضى نحبه –فيما بعد- من أجلها.
والتحق سيد قطب أولاً بإحدى مدارس المعلمين الأولية –مدرسة عبد العزيز- ولم يكد ينتهي من الدراسة بها حتى بلغت أحوال الأسرة درجة من السوء جعلته يتحمل المسئولية قبل أوانه، وتحولت مهمته إلى إنقاذ الأسرة من الضياع بدلاً من استعادة الثروة وإعادة المجد.
واضطر إلى العمل مدرسًا ابتدائيًا حتى يستعين بمرتبه في استكمال دراسته العليا من غير رعاية من أحد اللهم إلا نفسه وموروثاته القديمة. وكان هذا التغير سببًا في الاحتكاك المباشر بالمجتمع الذي كان لا بد له من أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب القرويين وتجربتهم.
فالمجتمع الجديد الذي عاش فيه انقلبت فيه موازين الحياة في المدينة السليمة، وبدت في القاهرة سوءات الاحتلال الأجنبي ومفاسد السياسة؛ حيث سادت عوامل التمزق الطبقي والصراع الحزبي وغدت المنفعة وما يتبعها من الرياء والنفاق والمحسوبية هي الروح التي تسري، ويصف عبد الرحمن الرافعي هذا المجتمع بأنه "مجتمع انهارت فيه الثقافة العربية أمام الثقافة الغربية التي تؤمن بالغرب حتى بلغت في بعض الأحيان حد التطرف في الإيمان بالغرب وبمبادئه إيمانًا مطلقًا". فكيف يواجهها هذا الشاب الناشئ المحافظ الطموح؟
كانت صلته بهذا المجتمع صلة تعليم، ثم أصبح الآن مشاركًا فيه، وعليه أن يختار ما بين السكون والعزلة، وبالتالي عدم إكمال تعليمه أو الحركة والنشاط، واختار سيد قطب المواجهة مع ما ينبت معها من عناصر الإصرار والتحدي وعدم الرضا بهذا الواقع المؤلم.